مقابلة | كيف يمكننا تفادي حوادث الغرق؟

سُجلت في الأيام الأخيرة وخلال عطلة عيد الأضحى المبارك، حوادث غرق مأساوية راح ضحيتها أطفال وشبان ومسنون بعد دخولهم الشواطئ في مختلف أنحاء البلاد.

مقابلة | كيف يمكننا تفادي حوادث الغرق؟

خلال البحث عن أحد الغرقى في شاطئ عكا (تصوير: سلطة الإنقاذ)

سُجلت في الأيام الأخيرة وخلال عطلة عيد الأضحى المبارك، حوادث غرق مأساوية راح ضحيتها أطفال وشبان ومسنون بعد دخولهم الشواطئ في مختلف أنحاء البلاد.

ووصفت مؤسسة "بطيرم" لأمان الأولاد عطلة العيد بـ"الكارثية" على المجتمع العربي سيما وأنه لم يشهد وفيات وإصابات مثل هذه منذ سنوات عدة.

ويستدل من المعطيات الأخيرة المتوفرة أن 22 شخصا بينهم 8 خلال أسبوع واحد لقوا مصارعهم غرقا منذ بدء موسم السباحة الحالي ولغاية، مساء الأحد، في البحر وبرك السباحة والمجمعات المائية، فيما تلقى 119 شخصا العلاج الطبي حيث وصفت حالة 6 منهم بالحرجة و16 بالمتوسطة و93 بحالة طفيفة.

ومن بين حوادث الغرق كانت مأساة عائلة مقازحة من مدينة الناصرة التي فقدت أبا وابنه وهما سامر وحسام مقازحة (46 و10 سنوات)، إثر تعرضهما للغرق في أحد شواطئ مدينة عكا.

وبهذا الصدد، أجرى "عرب 48" مقابلة مع مدرب السباحة والمنقذ، المحامي عزمي حربجي، أحد أصحاب ومؤسسي مركز السباحة والرياضة "الحربجي" في الناصرة.

"عرب 48": ما هي الأسباب الرئيسية لحوادث الغرق؛ ومتى يحدث الغرق؟

حربجي: الاستهتار والإهمال هو المسبب الأول لحوادث الغرق، سواء استهتار من قبل الضحايا الذين يقفزون إلى المياه دون وعي ودون مسؤولية ولا يحسبون تصرفاتهم أو بسبب الإهمال من قبل الأهل ومن قبل المؤسسات المسؤولة ومؤسسات الدولة التي لا تفرض ولا تطبق القوانين الكفيلة بوضع حد لحوادث الغرق.

وعندما لا يكون هنالك تقيّد بالتحذيرات والإرشادات، يضاف إليه عدم الوعي والإدراك للمخاطر، مع غياب سلطات تطبيق القانون يحدث الغرق. فالأهل يتحملون جزءا من المسؤولية والمؤسسة تتحمل جزءا من المسؤولية وكذلك بالنسبة للضحايا.

"عرب 48": لكن الأهل الذين يتوجب عليهم تحمل المسؤولية قد يكونوا هم أيضا ضحايا لحوادث غرق؛ كما شهدنا قبل أيام؟

حربجي: صحيح، وهؤلاء أيضا تقع عليهم مسؤولية الاستهتار وعدم المعرفة وتقدير المخاطر، لكن التقصير الكبير في هذه الحالات يقع على عاتق مؤسسات الدولة، قلا يجوز أن نلقي بالمسؤولية على الضحية وعلى الأهل وننسى دور المؤسسة والمسؤولين في الشواطئ وهو دور بالغ الأهمية فالمؤسسة هي المسؤولة عن إعداد وتهيئة الظروف المناسبة للسباحة الآمنة على الشواطئ المرخصة، وهي المسؤولة أيضا عن حظر السباحة وعدم إتاحة إمكانية السباحة في المواقع الخطرة وغير المناسبة للسباحة وبالتالي إغلاقها.

الدولة للأسف الشديد منشغلة في السنتين الأخيرتين بمكافحة وباء كورونا ما جعل أعداد الضحايا تتضاعف في حوادث السير وحوادث العمل وحوادث الغرق التي تصاعدت بشكل ملحوظ وربما غير مسبوق في الفترة الأخيرة.

"عرب 48": هل تعتقد أن الإرشادات والتحذيرات والتوعية في الإعلام كافية لجعل الجمهور يتصرف بمسؤولية؟

حربجي: بالطبع لا.. التعليمات والإرشادات عبر وسائل الإعلام غير كافية ويبدو أن الرسالة المرجوّة لا تصل إلى الجمهور والأهالي، وهذا الموضوع متشعب وله عدة اتجاهات خاصة في مجتمع "لا يقرأ"، وينبغي البحث عن وسائل أخرى لنقل المعلومات إلى الجمهور، ربما عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو تخصيص حصص دراسية أو دورات تعليمية في المدارس لكل الأجيال، لأن هذا الموضوع لا يقل أهمية عن حوادث الطرق وحوادث العمل. يجب مخاطبة الأهل والطلاب بكل الطرق وبكل الوسائل وإلا فلن تكون نهاية لهذه الدوامة.

شيء آخر وهو متعلق بالمؤسسة الرسمية، فمن واجب وزارة الداخلية العمل على زيادة أعداد المنقذين في الشواطئ وتحديد مساحات السباحة بحيث تكون على نطاق ضيق قدر الإمكان من أجل السيطرة على حركة المستجمين في الشواطئ المرخصة، فلا يعقل أن يكون هناك شاطئ معدّ لـ500 مستجم ويدخل إليه أكثر من 2000 مستجم ويكون فيه منقذ واحد ربما لا تراه أنت ولا يراك هو من شدة الكثافة، فلو أجرينا مقارنة بين تكلفة زيادة عدد المنقذين وتكلفة عمليات البحث عن غريق نجد أن تكلفة البحث عن مفقودين في البحر بمساعدة مروحيات وغواصين تفوق بأضعاف أجور المنقذين.

"عرب 48": لكن معظم حالات الغرق تحدث على شواطئ غير مرخصة وغير مهيأة للسباحة؟

حربجي: هنا تأتي مسؤولية المؤسسة وسلطات تطبيق القانون، فالدولة هي المسؤولة عن أمن المواطنين، ليس فقط في تحرير المخالفات لكل من لا يتقيّد بالأنظمة والتعليمات، بل يجب عليها أن تغلق هذه الشواطئ بطرق لا يستطيع فيها المستجمون الوصول إلى المياه.

أضف إلى أنه مع تحوّل حوادث الغرق إلى ظاهرة شائعة وخطيرة، يجب سن قوانين تلزم كل من يدخل إلى مياه البحر أن يتزود بطوافات أمان بألوان لمّاعة تمنع حالات الغرق وتتيح للمنقذ مشاهدة المستجم حتى لو كان في عمق البحر، تماما كما تفرض قوانين السير على السائقين التزود بسترة لمّاعة زاهية حين يترجل من المركبة على جانب الطريق.

يجب تنظيم عملية السباحة في البحر بقوانين صارمة وعقوبات رادعة تفرض على مخالفي هذه القوانين، كما أنه لا يسمح لمن لا يملك رخصة سياقة قيادة السيارة، كذلك يجب ألا يسمح لمن لا يجيد السباحة الغوص في البحر.

"عرب 48": كيف يمكن تفادي حوادث الغرق؟

حربجي: عن طريق الإرشادات والتحذيرات التي نراها أمامنا، وعادة لا يعيرها المستجم أي اهتمام رغم أهميتها، علينا أن نقرأ ونلتزم بالتعليمات لأن الهدف منها الحفاظ على سلامتنا ليس فقط من الغرق ربما بسبب وجود أفاع أو بسبب وجود زجاج أو حجارة على الشاطئ، ليس شرطا أن تكون التعليمات متعلقة بالسباحة، خصوصا عندما يكون الشاطئ مرخصا فهناك ما هو مسموح وهناك ما هو محظور، لذلك فإن قراءة التعليمات أمرٌ ضروري وهام، وهذا مؤسف بأننا لا نكرس دقيقة من وقتنا من أجل القراءة! وهناك فرق بين شاطئ معدّ للاستجمام وشاطئ معدّ للسباحة وليس كل شاطئ معد للاستجمام يمكن السباحة فيه.

"عرب 48": أي المواقع تعتبر خطرة للسباحة، هل هي الشواطئ الصخرية أم حيث تيارات السحب والأمواج؟ كيف تعرّف الشواطئ أو المواقع الخطرة للسباحة؟

حربجي: لا يتم الإعلان عن شاطئ مرخص ومعد للسباحة إلا بعد فحص من قبل خبراء، ويشمل هذا الفحص قوة الأمواج والصخور واتجاهات الرياح وتضاريس أرضية الشاطئ غير الظاهرة للعيان وأمور عديدة أخرى، لذلك نحن ننصح بالتوجه إلى الشواطئ المرخصة حتى وإن كانت هنالك تكلفة مادية بسيطة.

نحن في المجتمع العربي نبحث عن العزلة التي لا يرانا فيها أحد، بينما يغيب عنا عدم توفر إمكانيات المساعدة في حال حدوث أمر طارئ. ننصح بأن تكون السباحة في مجموعات وليس بشكل فردي، فعند السباحة مع مجموعة يمكن للآخرين مشاهدة الغريق وتقديم المساعدة الفورية له، لذلك فإن أحواض وبرك السباحة العامة أكثر أمنا نظرا لمساحتها المحدودة ونظافة مياهها والسباحة فيها تكون إلى جانب أشخاص آخرين.

"عرب 48": هل هناك فرق بين السباحة في النهار والسباحة في ساعات الليل؟

حربجي: بالطبع السباحة في الليل هي أخطر أنواع السباحة، ونحن نحذر منها نظرا للتغيرات التي تطرأ على مياه البحر من مد وجزر وتشكل الحوامات المائية، وهذه تغيرات غير متوقعة ويرافقها أحيانا تغيرات سريعة في اتجاه الرياح وسرعتها وكل ذلك يضاعف من مخاطر السباحة.

"عرب 48": هل هنالك توصيات عامة للمستجمين؟

حربجي: الامتناع عن السباحة الليلية، عدم استعمال الهاتف المحمول من قبل الأهل ما دام الأطفال داخل برك السباحة، والحرص على مراقبتهم طوال الوقت، السباحة بمجموعات، التحزم بطوافة النجاة، اختيار الشواطئ المرخصة، عدم شرب الكحول وعدم الأكل قبل الدخول إلى البحر، عدم محاولة إنقاذ غريق إذا لم يكن الشخص مؤهلا ويحمل وسائل إنقاذ ومعدات الإسعاف الأولى.

التعليقات